أعلن كوفي أنان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي مؤتمر صحافي عقده مع هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية، أن مبادرته، لم تلاق النجاح، دون أن يعترف صراحة بفشلها.
وأكد أن الخلل يكمن في التطبيق وليس في المبادرة نفسها، ونزع أنان إلى تشكيل لجنة اتصال من دول إقليمية ومن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وبعض دول الاتحاد الأوروبي مهمتها إحياء المبادرة، والبحث عن سبل جديدة لتطبيقها.
وفي الوقت نفسه أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن السياسة الروسية لا تصر على استمرار الرئيس الأسد في منصبه، لكنها تشترط أن يوافق الشعب السوري كله على تنحيته، وهذا أمر متعذر التحقيق بديهياً. لأنه ما من رئيس في العالم يجمع شعبه على تنحيته أو انتخابه.
ولنا مثل قريب في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي حصل على نصف أصوات الناخبين فقط، وبالتالي فإن لافروف يعرف استحالة تحقيق الشرط الذي وضعه، وأكد أن سياسة بلاده والسياسة الصينية أيضاً ترفض تغيير السلطة السورية بالقوة.
وهذا أمر لم يطرحه أحد لا من أعضاء مجلس الأمن، ولا من أعضاء حلف شمال الأطلسي، ولا من الجامعة العربية، وبالتالي فهو رد على أمر افتراضي، ورأى لافروف أن الحل يكون بعقد مؤتمر دولي مصغر لبحث الأزمة السورية، يضم الذين اقترحهم أنان للجنة التواصل بالإضافة إلى مشاركة إيران.
حيث ردت دول عديدة برفض مشاركتها لأنه لا صفة رسمية لها، فهي ليست دولة مجاورة، ولا دولة من دول الجامعة العربية، ولا عضو دائم في مجلس الأمن، ومن الواضح أن اقتراح أمر مشاركتها هو أمر تعجيزي وخطوة تهدف إلى تحقيق رفض المقترح برمته من الدول الغربية.
ورغم أن مبادرة لافروف أتت بعد خطاب أنان أمام الجمعية العامة وهي تخلو من أي جديد، ولكنه مع ذلك أصر عليها مما جعل معظم المراقبين يشيرون إلى أن السياسة الروسية لم تطرح هذا المقترح للوصول إلى حل جدي للأزمة السورية بل لكسب الوقت وإعطاء السلطة السورية مهلة جديدة، تجعلها تفلت من قرارات محتملة من مجلس الأمن تؤخذ حسب الفصل السابع.
والملفت للنظر أن لافروف تحدث في مؤتمره الصحافي عن الطائفية والطوائف السورية وأشار إلى أخطار مفترضة (وموهومة ولا تخلو من الخيال) تحيق بالأقليات الطائفية السورية والأقليات الإثنية أيضاً، وأصر على أن المعارضة التي تواجه النظام تشكل خطراً على هؤلاء جميعاً.
ولذلك برر دعمه للسلطة السورية القائمة بحجة أنها سلطة علمانية وغير طائفية وحامية للأقليات. ويسخر العارفون بالشأن السوري والمحللون السياسيون من مثل هذه الأفكار لأنهم غير مقتنعين البتة لا بخطورة أي نظام بديل على الأقليات في سورية .
ولا بحماية النظام الحالي لها. ولأن الصراع في سوريا حتى هذه الساعة هو ليس صراعاً طائفياً أو إثنياً إنما هو انتفاضة شعبية حقيقية تطالب بتغيير النظام إلى نظام ديمقراطي تعددي تداولي يحترم معايير الدولة الحديثة والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان وقد أكدت جميع أطراف المعارضة السورية أن مرجعية المواطنة هي المرجعية الوحيدة الهادية لها وتتمسك بها وترفض أية مرجعية غيرها.
وبالتالي يرى الجميع أن الموقف الروسي، هو في الواقع وسيلة لإعطاء مهلة جديدة للنظام، حتى أنه لا يبحث عن مصالح روسيا (وكانت جميع فصائل المعارضة السورية قد أكدت للسياسة الروسية أنها ستحترم مصالح روسيا في أي نظام مقبل دون أي نقصان في جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والتسليحية والاستراتيجية وغيرها). ومع ذلك فقد أصرت سياسة لافروف على أطروحاتها الافتراضية وأوهامها مما أدى إلى فقدان روسيا مصداقيتها لدى الشعب السوري و(الشعوب العربية) وفقدان رصيدها الذي كونته السياسة السوفييتية خلال عدة عقود.
بعد أسبوعين من تكليف أنان بمهمته، وبعد عرض مبادرته، تسربت أخبار صحافية مفادها أن كوفي أنان تقدم بمشروع موازنة وطلب مخصصات مالية لمهمته لمدة عام كامل وليس لثلاثة أشهر كما هو قرار تشكيل مجموعته، ويدل هذا على أنه كان ينوي منذ اللحظة الأولى أن يمضي عاماً كاملاً عارضاً مهمته بين أخذ ورد.
وأنه يدرك قبل غيره أن مدة الأشهر الثلاثة التي أعطيت للمبادرة ماهي إلا ذر للرماد في العيون، وعليه فإن موقفه الجديد بوضع الخلل على التطبيق. واقتراح تشكيل مجموعة اتصال هدفه إطالة مدة المبادرة وإعطاء السلطة السورية مهلة جديدة قد تصل إلى عام كامل، بانتظار أن يصل الكبار إلى اتفاق يفضي إلى حل شامل وناجع.
يفرض أمران نفسيهما على أي مراقب ومحلل للأزمة السورية، أولهما أن حل هذه الأزمة لم يعد بيد الشعب السوري، سواء توحدت فصائل المعارضة والحراك الشعبي فيه، أم تسلحت الانتفاضة أم تعسكر الصراع، وإنما أصبح هذا الحل بيد القوى الأخرى أو الدول الأخرى خارج الحدود.
وعلى الشعب السوري أن ينتظر اتفاق هذه الدول تمهيداً لحل أزمته الداخلية وأن يقبل بلعب دور ثانوي فقط. وثاني الأمرين أن جميع الأطراف ذات العلاقة في الشرق والغرب والشمال والجنوب تتعامل مع الأزمة السورية بتمهل وصبر و(طول بال) ودون أن ترى أن دماء الشعب السوري تنزف يومياً بغزارة، ويقدم السوريونً عشرات الضحايا ولا أحد يهتم جدياً بهم. والجميع يعلم أن مبادرة أنان ماتت فعلياً، لكنها لا تجد من يدفنها.